يقظة إسلامية بعد الطوفان- تحولات التدين لدى الشباب العربي.

نشأتُ في كنفِ الريفِ والمدينة، في أحضانِ دلتا مصرَ الخصيبة؛ لذا يفيضُ قلبي ابتهاجًا بالزرعِ الغضِّ وهو لا يزالُ يعبقُ بطينِ الأرضِ النديّ. تلكَ النضارةُ اليانعةُ تلهبُ في روحي ضرامَ الشغفِ للمعرفة، وتوقدُ في وجداني جذوةَ القدرةِ على التجددِ الدائمِ المتواصل. كما أنَّ طينَ الأرضِ يذكرني على الدوامِ بوجوبِ الغوصِ في الأعماقِ بحثًا عن الجذورِ الراسخة، واستشرافِ المآلاتِ المتوقعة والمصائر المحتومة.
لقد أيقظت فيّ هذه الروحَ مادةُ "طوفان الأقصى والتدين: يقظة إسلامية" التي أبدعها الصحفيُّ الألمعيُّ عبد القدوس الهاشمي. استغرقَ منه العملُ عليها ثمانية أشهرٍ زاخرة بالجهدِ والبحثِ المضني، التقى خلالها بعشراتِ الشبابِ والشاباتِ العربِ من مختلفِ بقاعِ العالم، والذين تتراوحُ أعمارُهم بينَ العشرينَ والأربعينَ عامًا؛ بهدفِ رصدِ التحولاتِ التي طرأتْ على الكثيرِ منهم عقبَ الطوفانِ – طوفانِ الأقصى المبارك -، والانتقالِ من حالةِ "اللامبالاةِ" الصارخةِ إلى حالةٍ من التدينِ المتدفقةِ الجارفة، بل وأحيانًا الاستعدادِ الجادِّ للانخراطِ الفعليِّ في الحركةِ الإسلاميةِ الواسعةِ العريضة، ومساندةِ المقاومةِ الباسلةِ في فلسطين.
لقد وهبنا الهاشمي مادةً خامًا، أشبهُ بفسيلةٍ صغيرةٍ لمّا تزلْ مغروسةً في تربتها الطينية، يمكنُ العملُ عليها بجدٍّ واجتهاد؛ لتقديمِ إطارٍ تحليليٍّ وافٍ وتفسيرٍ شاملٍ لظاهرةِ التدينِ الجديدةِ المستجدةِ لدى الشبابِ والشاباتِ العربِ بعدَ الطوفان، وهو موضوعٌ يستحوذُ على اهتمامي ويأسرُني بالكتابةِ والبحثِ المعمق.
بالطبعِ، ليسَ الهدفُ بالطبعِ هو التعميمُ المطلقُ بشأنِ تأثير ما حدثَ في السابعِ من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى هذه اللحظةِ الراهنةِ على تحولِ الشبابِ العربيِّ نحو الممارسةِ الدينيةِ. إنني أدركُ تمامًا حدودَ العينةِ التي اعتمدَ عليها الهاشمي، ومدى تمثيلها لمجتمعٍ ضخمٍ يبلغُ حجمُه الثلثَ تقريبًا (32.2٪) من إجمالي عدد السكان العرب، إلا أن هذه المادةَ الغنيةَ قد أثارتْ في نفسي فيضًا من التساؤلاتِ المُلِحَّة:
- ما هو معنى الدينِ كما يتجلى بوضوحٍ في تلك المقابلاتِ الثرية؟
- وما هي العلاقةُ الوطيدةُ بينه وبينَ المفاهيمِ الإسلاميةِ الجوهريةِ الراسخةِ من إيمانٍ صادقٍ وكفرٍ جليٍّ وشريعةٍ غراءَ وولاءٍ عميقٍ وبراءٍ واضحٍ وجهادٍ في سبيل الله؟
- وهل أضافَ "تدينُ الطوفان" سماتٍ جديدةً مبتكرةً أو أحدثَ تحولاتٍ جذريةً في ظاهرةِ التدينِ الشبابيِّ المستجدِّ الذي سبق لي الكتابةُ فيه باستفاضة؟
- وما هي صلةُ ذلك بتدينِ التنظيماتِ والجماعاتِ في ظلِّ مأزقها التاريخيِّ الحاد؟ وهل استطاع هؤلاءِ الشبابُ والشاباتُ أن يتجاوزوا تنظيميًا وأيديولوجيًا تلك المنظماتِ الإسلاميةِ الكبرى أم لا يزالون قابعينَ في أفكارهم وتنظيماتهم وممارساتهم التقليدية؟
- وأخيرًا، وليس آخرًا؛ ما هي التأثيراتُ المحتملةُ لهذه الظاهرةِ العظيمةِ ومآلاتها المتوقعةُ في السياسةِ والمجتمع، وعلى علاقاتِ السلطةِ والثروةِ على الصعيدين الوطنيِّ والدوليِّ؟
إن تحولاتِ الظاهرةِ الدينيةِ – خاصةً في أوساطِ الشبابِ والشاباتِ – لهي جديرةٌ بالمتابعةِ الدقيقةِ والرصدِ المستمر؛ فهي ظاهرةٌ ديناميكيةٌ حركيةٌ لا تعرفُ الثباتَ والاستقرار، وتحملُ في طياتها كلَّ جديدٍ ومبتَكر، وقد باتَ الصراعُ محتدمًا حول أنماطِ التدينِ في الإقليمِ المضطربِ – أو ما أطلقتُ عليه في كتابي القيّمِ الصادرِ عن دارِ مداراتٍ مطلعَ هذا العامِ عنوانَ "روح الإسلام" – والربيعِ العربيِّ وما أفرزه من صراعاتٍ على روحِ الإسلام، ليصبحَ أحدَ المحاورِ الرئيسيةِ للاستقطاباتِ الحادة.
لا يزالُ الإسلامُ يمتلكُ القدرةَ الفائقةَ على اجتذابِ المنطقةِ بأسرها اليوم، كما أنَّ الطريقةَ التي تتعاملُ بها الميولُ الفكريةُ الإسلاميةُ المختلفةُ مع الأزماتِ المتعددةِ التي تواجهُ المنطقةَ في السنواتِ القادمة، ستؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على الدورِ المتطورِ للدينِ فيها على المدى الطويل.
لقد كانتِ القضيةُ الفلسطينيةُ تاريخيًا ولا تزالُ تمثلُ عاملاً أساسيًا جوهريًا في تشكيلِ علاقةِ الإسلامِ بالمجالِ العام، كما أنها عنصرٌ مركزيٌّ حاسمٌ في تحديدِ المشهدِ العامِ في بلدانِ الطوقِ كمصرَ وسوريا ولبنانَ والأردن.
لطالما كانتِ الحروبُ الشرسةُ مع الكيانِ الصهيونيِّ الغاشمِ في عام 48 وعام 67 وعام 73، والانتفاضاتُ الفلسطينيةُ المتتاليةُ المتعاقبةُ منذُ مطلعِ الألفيةِ الجديدةِ وما قبلها لحظاتٍ فاصلةً حاسمةً لإعطاءِ قوةِ دفعٍ هائلةٍ لعلاقةِ الإسلامِ بالسياسة؛ وهي لحظاتٌ بقدرِ ما تتضمنُ صراعًا مريرًا مع إسرائيل، تشتملُ أيضًا على مواجهاتٍ عنيفةٍ مع الغربِ محملةً برموزٍ ثقافيةٍ ودينيةٍ كثيرة.
أولًا: استعادة التدين: اتجاه متصاعد
يستكملُ الطوفانُ اتجاهًا متزايدًا مضطردًا من علاقةِ الشبابِ والشاباتِ دونَ الثلاثينَ عامًا بالدينِ وممارسةِ الشعائرِ الدينيةِ في أرجاءِ العالمِ العربيِّ.
يتزايدُ باطرادٍ عددُ الذين يُقبلونَ على التدينِ قياسًا بعددِهم في عام 2018، حسبَ استطلاعٍ دقيقٍ نشرتْ نتائجُه شبكةُ "البارومتر العربي" في عام 2022 تحت عنوان "لماذا تشهد علاقة الشباب العربي بالدين تغيرًا؟".
بحسبِ الاستطلاعِ الدقيق؛ شهدتْ تونسُ وليبيا والمغربُ والسودانُ ومصرُ والأردنُ والأراضي الفلسطينيةُ تراجعًا ملحوظًا في عددِ من وصفوا أنفسهم بغيرِ المتدينينَ من كلِّ الفئاتِ العمرية. فيما كشفَ الاستطلاعُ أنَّ مزيدًا من مواطني هذه البلدانِ باتوا يصفونَ أنفسَهم بالمتدينينَ الملتزمين.
شهدَ المغربُ – وفقًا للاستطلاعِ المذكورِ – انخفاضًا بنسبةِ 7 في المئةِ في عددِ من وصفوا أنفسهم بأنهم غيرُ متدينينَ بينَ كلِّ الفئاتِ العمرية، تليهِ مصرُ بانخفاضٍ يقاربُ 6 في المئة، ثم تونسُ وفلسطينُ والأردنُ والسودانُ بانخفاضٍ بنسبةِ 4 في المئة.
أما في فئةِ الشبابِ الذين تقلُّ أعمارُهم عن الثلاثينَ عامًا، فقد شهدتْ تونسُ التراجعَ الأكبرَ في عددِ الشبابِ الذين وصفوا أنفسَهم بأنهم غيرُ متدينين. يصفُ نحو ثلثي الشبابِ التونسيِّ المشاركِ في الاستطلاعِ أنفسَهم بالمتدينينَ، وهو تراجعٌ كبيرٌ مقارنةً باستطلاعِ عام 2018، الذي وصف فيه نحو نصفُ الشبابِ التونسيينَ المشاركينَ في الاستطلاعِ أنفسهم بأنهم غيرُ متدينين.
ووفقًا لآخرِ الدراساتِ المسحيةِ الشاملةِ، فإنَّ التدينَ في الفترةِ الحاليةِ ينتشرُ في الريفِ والمدنِ الكبرى بشكلٍ أوسعَ وأسرعَ من المدنِ الصغرى، وفي أوساطِ الشرائحِ العليا من الطبقاتِ الوسطى والغنيةِ المتعلمةِ تعليمًا جامعيًا مرموقًا، إلا أنَّ هذه الخصائصَ تشهدُ حراكًا دائمًا مستمرًّا وتغيرًا متواصلًا لا ينقطعُ، ممّا يستدعي المتابعةَ الرصينةَ والتحليلَ المتعمق.
الفرديةُ تتجلى وتتبلورُ في تعددِ مصادرِ التلقي وتنوعها الثري وتجاورها العجيبُ برغمِ ما بينها من تمايزٍ جليٍّ واختلافٍ بيّن وأحيانًا تضادٍّ صارخ. وترتسمُ العلاقةُ الوطيدةُ مع مصادرِ التلقي باختيارِ الفردِ أولًا واستشعارِه بالراحةِ تجاهها فيستمرُّ ويتواصل
ثانيًا: نمط التدين الشبابي
بينما ترسمُ البياناتُ التجريبيةُ الموضوعيةُ صورةً لشبابِ المنطقةِ على أنهم متدينونَ ملتزمون؛ فإنَّ الشبابَ يعتبرونَ الدينَ شأنًا خاصًا حميمًا. لم يعدِ الدينُ بالنسبةِ لشبابِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا يخدمُ أغراضًا سياسيةً أو أيديولوجيةً بحتة، بل يركزُ بدلًا من ذلك على الرفاهيةِ الشخصيةِ الشاملةِ والانضباطِ الذاتيِّ الصارم، ممّا يجعله يبدو أكثرَ كقناةٍ روحانيةٍ سامية. وإذ ترصدُ هذه الاستباناتُ مستوياتٍ عاليةً من التدين؛ يكونُ ذلك في المقامِ الأولِ على المستوى الفرديِّ المحض؛ إذ لم يعد مرتبطًا باليوتوبيا الاجتماعيةِ الجماعيةِ.
هذه السماتُ الجوهريةُ تجدُ تفسيرَها الوافي – في تقديري المتواضع – في نموذجِ السوشيال ميديا باعتباره نموذجًا معرفيًا للثورةِ المصريةِ والإعلامِ الجديد: قراءة، الذي تضافرَ مع نقدِ ممارساتِ الدعاةِ والإسلاميينَ بعدَ انتفاضاتِ الربيعِ العربي، وزاده بروزًا سماتُ جيلِ زد – الذي وُلدَ أواخرَ الألفيةِ السابقةِ وأوائلَ هذه الألفيةِ – في عام 2024.. جيلُ Z يولدُ من الاحتجاجاتِ وخصائص نموذجه الاتصالي المتميز.
إنَّ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِّ ليستْ مجردَ أدواتٍ تُستخدمُ فحسب، وإنما هي تعبيرٌ صادقٌ عن قيمٍ وممارساتٍ تدورُ في فلكِ:
- الفرديةِ، حيثُ الفردُ الذي تعاظَمَ دورُه في إنتاجِ المحتوى وتدويرِه والتفاعلِ الحيويِّ معه، وذلك في مقابلِ المؤسسةِ المحترفةِ التي كانت تستقلُ بإنتاجِ المحتوى، كما ازدادتْ مساحةُ تعبيرِ الفردِ عن ذاته وتحديه للسرديات المهيمنة البالية.
- تعاظمِ قيمةِ الحريةِ القائمةِ على الإقناعِ/الدعوةِ في مقابلِ الضبطِ السلطويِّ القمعي.
- الاعترافِ بالتنوعِ/التعددِ بما يعنيه من انفتاحٍ واسعٍ على الذاتِ المتنوعةِ، والآخرِ المختلفِ المغاير.
- النفعِ والعمليةِ: التي تعني تجاوزَ الأيديولوجيِّ – الذي اختص بالإجابةِ عن الأسئلةِ الكبرى – إلى البحثِ عن إجاباتٍ شافيةٍ للأسئلةِ الصغرى. فالخطابُ الفاعلُ المؤثرُ الآن هو ما أطلقُ عليه "خطاب المعاش"، الذي يهدفُ إلى تحسينِ نوعيةِ حياةِ الناسِ بشكلٍ عمليٍّ ملموس.
- التوازنِ الدقيقِ بين الخصوصيةِ والمشتركِ الإنساني: هناك اتجاهانِ متنازعانِ العالمَ الآن، والإعلامُ الاجتماعيُ هو المنصةُ المثاليةُ التي يتحركُ عليها هذانِ الاتجاهانِ ويغذيهما. الاتجاهُ الأولُ هو الارتدادُ إلى الخصوصياتِ المحليةِ والولاءاتِ دونَ القوميةِ والهوياتِ المغلقة، والاتجاهُ الثاني هو توسعةُ المشتركِ الإنسانيِّ بحكمِ إدراكِ أنَّ التحدياتِ التي تواجهُ البشريةَ مشتركةٌ وعالمية.
- غيابُ المركزِ/المطلق/المرجعية: فهناك سيولةٌ شديدةٌ في المحتوى المقدم. أدتْ هذه الظاهرةُ إلى عدمِ العمقِ الثقافيِّ والمعرفي؛ فتدفقُ المعلوماتِ لا ينشئُ بالضرورةِ معرفةً حقيقية. كما أنَّ انقضاءَ فكرةِ الخطابِ السديدِ والتحولَ إلى فكرةِ القولِ المناسبِ الذي يتلاءمُ مع ظروفٍ محددةٍ أصبحَ هو السائد. النسبيةُ الشديدةُ في القولِ والفعلِ – التي يمكنُ أن تتحولَ إلى سيولةٍ أو نظريةِ المؤامرةِ – هي الحاكمةُ في مجملِ النموذجِ المعلوماتيِّ المقدمِ عبرَ السوشيال ميديا.
- الاستهلاكُ الشرهُ والسريعُ للمحتوى والرموز: هذه الظاهرةُ أدتْ إلى تجاوزٍ سريعٍ ومتسعٍ للمؤسساتِ التي تنتجُ المحتوى، والخدماتِ التي تقدم… إلخ.
- تعاظمُ قيمةِ المعرفةِ العالمية: فالمعرفةُ لم تعدْ محليةً بل عالميةً، تقومُ على التشاركيةِ في إنتاجها، والذاتيةِ في تحصيلها. وترتكزُ إلى الخبراتِ الحياتيةِ العمليةِ لا النظرياتِ الفكرية، والفجوةُ فيها يمكنُ تجاوزُها. وأقصدُ الفجوةَ بين المتقدمِ والمتأخر، كما أصبحتْ مراكزُها متعددةً، ويمكنُ الوصولُ إليها بسهولة. لقد تحولتْ المعرفةُ من الاعتمادِ على المقروءِ فقط فيما سبق إلى تكاملٍ وتعددِ وسائطها مع وزنٍ نسبيٍّ أكبرَ للمرئيِّ والمسموعِ والتفاعلية.
ثالثًا: تدين الطوفان: الاستمرار والتغير
على الرغمِ من أنَّ هذا القسمَ من المقالِ مخصصٌ لدراسةِ عناصرِ الاستمرارِ والتغيرِ في تدينِ الشبابِ والشاباتِ العرب؛ فإنني أحبُّ أن أؤكدَ أنني لستُ ممن يتبنونَ فكرةَ التجاوزِ والانقطاعِ في فهمِ الواقعِ العربي. فكاتبُ هذه السطورِ ينتمي إلى مدرسةٍ تؤكدُ على فكرةِ التحولِ العميقِ في الفتراتِ الانتقاليةِ التي تتضمنُ التجاورَ والتعايشَ والتداخلَ في أحيانٍ بين القديمِ والجديدِ وبينَ الظواهرِ المختلفة؛ بمعنى أننا بإزاءِ أنماطِ تدينٍ متعددةٍ تتفاعلُ فيما بينها نتيجةَ اتساعِ المجالِ الدينيِّ نحو مجالٍ دينيٍّ إسلاميٍّ تعدديٍّ حرٍّ ومستقلٍّ بالتعددِ والتنوعِ.
وعلى الرغمِ مما بُذلَ من جهدٍ مضنٍ على مدارِ العقدِ الماضي من محاولاتٍ يائسةٍ للسيطرةِ والتحكمِ في المجالِ الدينيِّ من قبلِ بعضِ الأنظمةِ والمؤسسات، فإنَّ هذه الجهودَ باءتْ بالفشلِ الذريعِ لأسبابٍ ليس مجالُ الخوضِ فيها في هذا المقالِ.
إن تديُّنَ الجامعيينَ من شبابِ وشاباتِ ما بعدَ الربيعِ العربيِّ ذو طبيعةٍ فردية، نواتُه الصلبةُ لا تتكونُ بالتنظيمات؛ وإنما بشبكيةِ التفاعلاتِ وكثرةِ المبادراتِ التي يجمعُها – كما رصدتْ دراسة "من يملأ الفراغ" – علمٌ شرعيٌّ راسخٌ وتصوفٌ عاطفيٌّ، وتتشكلُ ملامحُه على السوشيال ميديا وبالممارسةِ العمليةِ لا الخطابِ الأيديولوجيِّ، ويتميزُ بحضورٍ نسائيٍّ طاغٍ، وموقفُه من السياسةِ لم يتحددْ بعد؛ وإنما ترسمُه السياقاتُ وتطورها.
تساعدُنا مقابلاتُ الهاشمي على إعادةِ فحصِ مدى الاستمرارِ والتغيرِ في هذه الخصائصِ والسمات، وكيف تشكلتْ في ضوءِ الطوفان. وهو ما سنعرضُه ونتوقفُ عند دروسِه في الجزءِ الثاني من المقال.